نظرة على إقليم توات
إقليم توات يقع في جنوب غرب الصحراء
الجزائرية التي هي جزء من الصحراء الكبرى الإفريقية , وتبعد أقرب نقطة منه
عن العاصمة الجزائرية بحوالي 1500كم , وهذا الإقليم يشتمل على عدد من
الواحات والمدن والقصور تزيد على الثلاثمائة واحة متناثرة هنا وهناك على
رمال الصحراء .
وهي تغطي حوالي ألفي ميل مربع من الأرض ويقع الإقليم
بين خطي عرض 26/30 درجة شمالا وبين خطي طول 4 إلى 1 شرقا , وهذا الموقع
يمثل امتدادا طبيعيا لمنخفض تنزروفت نحو الشمال .
والإقليم حاليا يقع
ضمن امتداد أدرار وتيميمون وعين صالح , والأولى كانت تعرف باسم منطقة توات
والثانية باسم منطقة القورارة والثالثة باسم منطقة تيديكلت
توات الهدوء والطمأنينة , توات السكينة والوقار, توات الجود والكرم , توات البساطة في المسكن والمأكل والملبس .
توات ...! هل هي فعلا تواتي لنفي المجرمين والعصاة ؟
هذا
ما ذهب إليه محمد بن عومر ( ت ق 13 هـ) حيث يرى أنه لما نزل الفاتح عقبة
بن نافع الفهري بلاد المغرب ودخلت خيله توات 62 هـ , سألهم عن هذه المنطقة
, هل هي مواتية لنفي المجرمين العصاة ؟ فقيل له أنها تواتي فأصبح يقال لها
توات بتخفيف الياء.
هذا رأي في أصل تسمية هذه الصحراء بتوات . لكن نجد
أن محمد بن عبد الكريم البكري يرى رأيا آخر حيث يقول: أن أصل التسمية مشتق
من الإتاوات وهي الضرائب التي كانت تؤخذ من أهل الصحراء .
وهناك رأي
آخر ذكره الشيخ عبد الرحمن السعدي الذي قال في كتابه تاريخ السودان أن
سلطان مالي كنكان موسى كان ذاهبا إلى الحج برفقة جماعة كبيرة من أهل بلده
فلما وصلوا هاته الديار أصيب البعض منهم بمرض معروف عندهم باسم توات
فانتظرهم السلطان ومن معه علهم يشفون بسرعة من مرضهم لكن أبطأ بهم المرض
وصار الحال إلى ما لا يرضون فتركهم السلطان في هاته الأرض وسار بمن معه ؛
هؤلاء الذين بقوا وجدوا هاته الأرض مخضرة وذات بساتين وواحات فمكثوا بها
واستقروا وصاروا يسمونها بالمرض الذي أصيبوا به وهو توات .
هذا وقد ذكر شيخنا مولاي أحمد الطاهري نور الله مرقده وفي غرف الجنان أرقده أن توات مواتية للعبادة أو هكذا رآها هو .
وعلى
كلٍ اختلفت التعريفات والمسمى واحد, فإذا قيل أنها مواتية لنفي العصاة من
المجرمين فهي فعلا كذلك إذ أن الإنسان الذي ألف رغد العيش ورطوبة الجو
والخضرة النضرة, لا يجد هنا سوى حرارة الجو وكثرة الرياح وما تيسر من عيش
البسطاء .
وإذا قيل أنها مواتية للعبادة فهي أيضا كذلك, لأنها قريبة من حياة البادية
الطبيعية التي ليس فيها منغصات ولا ملهيات, بعيدة عن الحكم والحكام, لا أسواق كبيرة ولا ضوضاء, إنما هي هدوء وسكينة ووقار .
يتشكل
المجتمع التواتي من طوائف اجتماعية خمسة, ففيهم الشرفاء والمرابطون و
العرب والحراثين, والعبيد ؛ وكل هؤلاء الطوائف قدموا توات من مناطق مختلفة
من العالم, فهناك من قدم من اليمن, وهناك من قدم من شبه الجزيرة العربية,
وهناك من قدم من المغرب الأقصى, أقاموا في هذه القصور التواتية, التي كانت
تشبه الواحات, من توفر المياه الباطنية والتي تستخرج بالطريقة المعروفة
هناك – الفقارات – فكانوا يشتغلون بالفلاحة, اهتموا بالزروع والثمار التي
كانوا يصدرونها إلى السودان وأروان وتمبكتوا .